pinterest-site-verification=9c2615a3f2f18801311435c2913e7baa الساعة التاسعة من أي يوم .. للصادق النيهوم
📁 آخر الأخبار

الساعة التاسعة من أي يوم .. للصادق النيهوم





صحيفة المنظار الليبية: مجلة جيل ورسالة


من أي شهر .. من أي موسم .
الساعة التاسعة : انت ذهبيت للعمل وغلى ماء الشاي على النار ، وزحف طفلك عبر فناء البيت الى البالوعة، وطفق يولج اصبعه في الثقب ليتعرف على طعم العالم السفلي .
البالوعة - كما قالت زوجتك الفاضلة - مكان غريب مليء بالوحل وبقايا الاظافر وملوك الجن البلهاء الذين لا يكفون عن التسلل عبر الحدود،بحثاً عن المتاعب مع سكان ليبيا . وطفلك في خطر .. انه - مثل بقية اطفال ليبيا - معرض لان يضع
اصبعه في عين احد الرجال ويرتكب أولى جرائمه قبل ان ينهي العام الأول من عمره المثير.
فهل نسيت أن تزوده بحجاب ؟ الساعة التاسعة بعد خمسة اعوام : انتهت مرحلة البالوعة دون اصابات . وغلى ماء الشاي على النار ، وخرج طفلك الى الشارع لكي يتعلم حراسة المرمى . وقبل ان تنتهي المباراة الأولى يتشاجر مع الحكم وبعضه في ظهره مستشعراً الغراء مثيراً باذلال القانون ، ثم يتدخل الجمهور ويتبرع احدهم باعطاء طفلك اول درس عملي في مراعاة قواعد الشارع وفيما يعود صارخاً إلى البيت ، تطل زوجتك الفاضلة برأسها عبر، الباب لشتم والدة المعلم متناسية تماماً انك سوف تعود من العمل وتكسر ذلك الرأس الذي أطل من الباب بدون اذن.
والمرحلة القادمة تقطعها زوجتك مثل بقية النساء الليبيات - بدون رأس . 
الساعة التاسعة بعد عشرة اعوام : ذهب الطفل الى المدرسة ذهب كيس التجارب العامر بالكدمات والخدوش لكي يسمع من معلمه الابله ان الحمار حيوان اليف
ويضحك من قلبه ، ويتذكر جميع الحمير التي وضع في آذانها اعقاب سجائره لكي يجعلها حيوانات متوحشة ويتذكر سرقاته من الدجاج ومقلاعه الرهيب وبائع القول الذي فقاًعينيه معاً ، ثم يعتريه الملل من ذكرياته ويخرج مقلاعه في غرفة الدراسة لكي يقول المعلمه انه يحتاج الى معلومات اكثر اثارة لكي ينسى ذكرياته فاذا فشل المعلم في فهم تلك الرسالة المؤلمة
فان طفلك في الغالب يعود للبحث عن المعلومات الجديدة بنفسه في الشارع . ويعتريك انت الغضب . وتدق ضلوعه بعصاتك ، وتقول له انه ولد ضائع ، دون أن تعرف ان لقب ضائع منحة حقيقية تملأ قلوب الاطفال بالفخر. وان معظم اطفال ليبيا الاذكياء هربوا من المدارس المملة بحثاً عن ذلك اللقب. هربوا من الحمار الاليف .. ممتلثين بالذعر




الساعة العاشرة بعد عشرين عاماً . ماء الشاي ما يزال يغلي فوق النار وأنت توسط لك الوزير ونلت الدرجة الخامسة وطفلك أصبح رجلاً أنفك ، ولكنه رجل من الخارج فقط .
فالمدرسة لم تعطه شيئاً سوى فضيلة الغرور التي يكتسبها المرء من شهادات النجاح في نهاية كل عام. تلك الاوراق نصف المزورة التي لا تكف عن الادلاء بشهادتها بأن الطالب
المذكور أعلاه يعرف كل شيء تقريباً. يعرف حساب الزمن والكيمياء وتاريخ القاضي الفاضل السري وفضائح السلطان وعيد ميلاد المتنبي وبحور الشعر العميقة و آخر النكات،وطفلك الهائل الحجم يصدق ذلك كله، ويقضي اوقات فراغه في استعراض مشاكل العالم مع اصدقائه ، محاولين معاً - با خلاص يثير الشفقة - ان ينقذوا الاتحاد السوفييتي من ازماته الاقتصادية ، وينقذوا امريكا من مشكلة فيتنام .. وينفوا اسرائيل خلال الليل ويشرحوا مقررات مؤتمرالخرطوم ويكتشفوا على وجه الضبط مكان النقود التي سرقها الوزير المعزول . وفيما تعلن أنت على رصيف المقهى ان المدعو موشی دیان رجل واسع الحيلة لا يمكن قهره الا بالصبر يعلن طفلك الهائل الحجم لاصدقائه ان فرقة واحدة من الفدائيين الجزائريين الاشداء كفيلة بالقاء موشى ديان في البحر على عود من الحطب،ويتشاجرمعك اصدقاؤك في المقهى ،ويتشاجر معه اصدقاؤه على ناصية الزقاق .. وترتفع الاصوات الحادة وتعودان انتما متعيين الى البيت ، وتأكلان وجبة الحساء من صحن واحد ولكن ايديكما لا تلتقي أبداً، فأنت تعتبره مجرد ولد عديم الخبرة مليء بالاسرار الفاسقة يستطيع أن يسبب لك كثيراً من المتاعب ، وهو يأكل حساءك ويرثي لك في قلبه ويعتبرك مجرد قنطرة عجوز قام الله بينانها لكي يعبرها الى الدنيا .
وفيما تشرع القنطرة الاخرى في اعداد الشاي يلوذ طفلك المائل الحجم بغرفته الخاصة ويكسر رأسه بمحاولة البحث عن طريقة في الزحام . انه يقف وحيداً فلا شيء يربطه بك او بزوجتك الفاضلة التي يدعوها امه ، لا شيء على الاطلاق سوى طبق الحساء وعلبة سجائرك ... فأنت رجل من الجيل الماضي . وطفلك الهائل الحجم رجل من الجيل التالي . وذلك يعني في ليبيا انكما عالمان مختلفان مشحونان بالتناقض والعداء والمواجهة والاختلاف الى حد الاختناق .. وانكما لا تعرفان ذلك . فشهادة المدرسة التي تقول ان الطالب المذكور اعلاه يعرف كل شيء تقريباً ، تنسى على الدوام ان معظم الاشياء يتعلمها المرء من والده . وان الاب الليبي الحقيقي يهتم بتربية شواربه الليبية اكثر مما يهتم بتربية اطفاله وان منتهى العار في ليبيا ان يفقد الولد حياءه الى حد ان يجلس مع والده في غرفة واحدة. المدرسة لا تعرف عاداتنا . ولاتعرف ان الله خلق الليبيين مثل ثمار جوز الهند داخل قواقع
الساعة التاسعة بعد خمسة وعشرين عاماً : اصاب الحب قلب القوقعة رمته جارته المعلمة بنظرة مميتة فيما كانت تعبر الطريق الى المدرسة، واضاء العالم الصغير بعرض السموات . ولكن طفلك المائل الحجم لن ينقل لك هذا الخبر حتى لا تموت من الضحك . ولن ينقله لاصدقائه ايضاً ... انه يطويه في قلبه ، ويعرفه بالاشعار والعادة السرية واضعاً نصب عينيه فضيلتنا القديمة التي تقول ان الحب فضيحة تشبه الدعارة ، وان الرجل الليبي لا يحب احداً . طفلك يعرف ان الرجل الليبي يستطيع ان يحب حصانه ويمتطيه لقطع اعناق الكفار ويحب سيفه البتار ، والمشي في العيد بكاطه الجديد ، والغناء في الاعراس .. واغراء زوجة الجار ويعرف انه لا يستطيع ان يحب المعلمة حتى يسخطها الله حصاناً . 
الساعة التاسعة بعد اربعين عاماً : ما يزال ماء الشاي يغلي على النار وطفلك الابيض الشعر وجد حصاناً وتزوجه. وانت ذهبت للقاء الله منذ عشر سنوات ولكنك لم تصل اليه بعد فالحساب طويل ومعقد والملائكة غارقون في مراجعة سجلاتك المثيرة ، والدار الآخرة تعج بالنشاط مثل خلية النحل ، فالمرء لا يستقبل ليبياً ميتاً دون ان يغرق في المتاعب.

(سبق نشر هذا المقال في مجلة جيل ورسالة)


صحيفة المنظار الليبية
صحيفة المنظار الليبية
تعليقات