صحيفة المنظار: ليبيا المستقبل
تجربة وأكتشاف
"القراءة، لا الكتابة هي شغلي الشاغل"... "شغف القراءة وتجاربي في الحياة ساهما في تشكيل تجربتي الشعرية" |
• فقط كنت أطمح لمحو أميتي، وأن أتعلّم على الأقل، وبشيء من البساطة: كيف يفكّر هؤلاء الذين في مكنتهم إيواء قدر كبير من الخبرات في كتاب صغير يمكن قراءته في بضع ساعات. من هنا بدأت أسفاري مع الكتب، والتي أدين لها بالكثير، كصاحبة فضل في هذه الرحلة التي بدأت منذ السنوات الأولى من عشرية سبعينيات القرن الماضي. لم أضع في حسباني بأن علاقتي مع الكتب، ستتحول إلى شغف مزمن. غالبا لا أفهم ما أقرأ. وهذه المعضلة بدأت مع مرور الوقت تخفّ تدريجيا، وان لم تنته تماما. حتى الآن أقرأ كتبا، أحيانا يصعب فهمها. لا يوجد في ارثي العائلي ما يشير إلى أي سلالة ذات صلة، حتى ولو عابرة بالقراءة. بعد أن غادر أبي البيت إلى مثواه الأخير، كان علي باعتباري الولد البكر والصبي العجوز، ترتيب الفوضى الناتجة عن فقدان أب لم يعمّر طويلا، مما يستوجب أن أكون أبا، وعائلا. فكان من المتعذر التمتع بمواصلة الدراسة. فقط تحصلت على الشهادة الابتدائية، ثم تخليت عن المدرسة، وبالمثل تخليت مبكرا عن طفولتي وأمنيات صغيرة لم يعد في وسعها أن تتربى وتنمو في كنف العوز. أحيانا يظل من الترف أن تحلم فوق طاقتك. لكن لا بأس طالما في الإمكان التحايل لاستضافة كتاب، سواء كان مُلكاً، أو معارا، أو مسروقا. المهم أن تقرأ. وعبر مكابدة الهضم التي كنت أعانيها لامتصاص أكبر قدر من المعرفة، بدأت مؤشرات المحاكاة، والحاجة لقول شيء. هكذا تخلقت ونشأت لعبة الكتابة في أول الأمر، اعترافيه وذاتية غالبا، وربما ساذجة بعض الشيء في طريقة بوحها وطرح أسئلتها القلقة، لكنها كانت بالنسبة لي تعني الكثير. أما فيما يتعلق بالعوامل التي أسهمت في تشكيل تجربتي الشعرية، يمكن إحالتها بإيجاز إلى شغف القراءة، فضلا عن تجاربي في الحياة بكل مكابداتها الشرسة، كذلك إلى مؤثرات السيرة المشتركة التي رافقت البدايات الأولى، بيني وبين الصديقين الشاعرين: فرج العربي، وفرج العشة، في مدينة البيضاء.
بندقية وشعر
- هل كان ثمة رابط خفي أو ظاهر بين كونك جندي يقاتل بالبندقية، وشاعر يصنع الحياة بدفاتر وأقلام ؟
"تجربتي الطويلة في الجيش كانت مريرة وقاسية، لأنها سلبتني حيزا كبيرا من إرادتي" |
• كانت تجربتي في الجيش أكثر من مريرة وقاسية، لأنها في الحدّ الأدنى، سلبتني حيزا كبيرا من إرادتي، فالمؤسسة العسكرية الليبية تبعا لتقاليد الثكنات، محض معقل لتجفيف الأحلام، وهدم للشخصية الآدمية عوضا عن بنائها. عانيت الكثير من المصاعب والتحديات من أجل الحفاظ على خصوصيتي وتميّزي، وأيضا حماية قصيدتي من التلف. ولست أدري أي شرف يمكن ادعاءه لحظة أن تزج في حروب ظالمة كتلك التي وجدت فيها نفسي مرغما في صحراء تشاد. وأنها لمفارقة شديدة الغرابة تلك التي تضعك على تماس دائم لتزييف إنسانيتك، ومن ثم لخيانة الشعر. لذا لن تكون حربك فادحة وحسب، حين تخوض قتالا مصيريا ضد نفسك، لكي تحسمها أخيرا، وبشق الأنفس، منحازا للشاعر، لا الجندي. أظن أن معظم ما كتبت هو بمثابة تدوير لميراث الثكنات، تماما كتدوير القمامة للخروج في المحصلة بمشتقات مفيدة وأكثر جدوى. فأن تقضي (رغما عنك) قرابة عشرين عاما كجندي في الجيش، ثم تخرج وقد انتصرت للكائن الآدمي الذي في داخلك.. لهو حدث - بالنسبة لي - شبيه بالمعجزة.
"(رجل بأسره يمشي وحيدا) قصيدة جعلتني أكتشف قيمتي كشاعر" |
هكذا كانت معركتي، وهذا ما حاولت تلخيصه عبر الكتابة شعرا ونثرا. وحتى أن خرجت مهدما وبائسا وخائبا، وأن جزءا من عمري ذهب هدرا، لكنني فقط احتفظت بالقصيدة، وهذا يكفي. صحيح - وقتذاك - لا بيت لي، لا أحلام، لا نقود، لا مؤهل علمي، لا أبّ، لا عشيرة. لكن أينما ذهبت، لا تخلو حقيبتي من كتب وقصائد. في مطلع التسعينيات اقتضت مخيلتي وتطلعاتي أن أبدأ من جديد. اقتربت أكثر من طرابلس، تعرفت على أصدقاء جدد، وسافرت كشاعر إلى عواصم وجزر وبلدان أكثر تهذيبا ونعومة. فبعد احتفاء استثنائي خصتني به تونس، بدعوة من اتحاد كتابها.أشهد بأنني قد انتشيت، ولأول مرة بقيمتي كشاعر، وأيضا بقصيدتي "رجل بأسره يمشي وحيدا". وتلك كانت أشارة أخرى.
قراءة وكتابة
- الشاعر مقتاح العماري، يساعده الماضي القريب والبعيد ليكتب الشعر ويؤرخ للحاضر وربما يتنبا بالقادم فنقرأ شعره الذي يكتبه لنا... ولكن لمن يقرأ مفتاح العماري قبل ان يكتب لنا؟
"أحاول ما استطعت الإخلاص للتعامل مع قصيدتي كتجربة لتاريخ شخصي" |
• بالطبع نحن في النهاية خلاصة ذاكرة. وسواء كانت الذاكرة بعيدة أم قريبة، تظل في كل الأوقات وعاء تجارب وخبرات. ولعلني في معرض إجابتي على سؤالك الأول أزجيت مديحا خاصا بتكريم القراءة، كإنصاف أحاول من خلاله ردّ الجميل للكتب وحدها التي علمتني، دونما تحديد لأسماء وعناوين. كنت فقط، أريد الاعتراف بأنني في المحصلة مجرد قارئ لا يتوقّف عن التعلّم. وأن القراءة، لا الكتابة هي شغلي الشاغل. من حكايات ألف ليلة وليلة، وأشعار الشابي، والمتنبي، والشنفرى، ومولانا جلال الدين، وبورخيس الى كتابات: يوسف القويري، والنيهوم، والفاخري، ورضوان، والكوني، فضلا عن المترجم من الأدب العالمي من روايات: ديستويفسكي، انطونيو سكارميتا، وزافون صاحب رواية (ظل الريح)، والأعمال الكاملة لرامبو، وتشارلز سيميك، الخ. أحاول دائما الإخلاص للقراءة، والبحث عن أدوات أكثر قرابة وألفة واستئناسا في التعامل مع منتخبات الكتب التي أبحث وباستمرار عن جديدها. أما فيما يتعلق بالكتابة فأنها حتى ولو كانت محض تأويل يعيد إنتاج المقروء، كعملية تفاعل للتناص ستنبني حتما على صهر لخلاصة جملة من المرجعيات الثقافية - مدوّنة أو شفوية -. لكن ما يكفل للكتابة أصالتها، ومبرر تحققها يكمن تحديدا في إضافة حياة جديدة. وهنا لا يتعلق الأمر فقط، أو يتوقف عند حدود المعنى وحسب، بل يرتبط بتكريم اللغة ذاتها. فعلى الكاتب لكي يكون كاتبا صالحا للتداول أن يمشي أبعد مسافة ممكنة في أقاليم اللغة، أن يسبر أسرارها، ويكسب تعاطفها وودّها من ثم، لكي تهبه مفاتيح كنوزها. هذا ما أحاول معرفته كقارئ، وكاتب في الآن نفسه.
أنواع الشعر
- أي أنواع الشعر يحب أن يكتب العماري؟
"عانيت الكثير من المصاعب والتحديات من أجل الحفاظ على خصوصيتي وتميّزي" |
• حتى لو افترضنا أن قصيدة النثر نوع شعري لوحده، وليس فرعا، أو نسلا ينتمي لسلالة عربية أصيلة. فأنني وبالاستئناس لآخر منجزات القصيدة الشابة، باعتبارها إطارا معرفيا، ليس لاختزال مفاهيم الشعر التي يصعب فهمها، بل في الحد الأدنى كشكل أدبي يتناغم مع إيقاع عصره، وثقافته، والأكثر انسجاما - في الوقت نفسه - وتلبية للمخيلة الشعرية. لا أحبذ هنا الخوض في تفاصيل نظرية متشابكة، فقط وباعتباري أحد المقيمين داخل عمارة القصيدة الجديدة - هكذا أدعي - أحاول ما استطعت الإخلاص للتعامل مع قصيدتي كتجربة لتاريخ شخصي، وخبرة باللغة لا يعوزها الطموح في تحويل الكلمات إلى مناطق حارة، وغابات مكتظة بكائنات حية، وأشجار في وسعها أن تحلم باستضافة الموسيقى لا فرق القتلة والحطّابين. ربما أفعل هذا، كرد اعتبار لحلم الشاعر الذي حاولت المؤسسة تجفيفه، وتهميش دوره والحط من شأنه وتتفيه فاعليته، أعني المؤسسة بكل مسمياتها وتفرعاتها الرسمية والاجتماعية، بما فيها الميراث الديني، والفلسفي، من أفلاطون إلى وزراء الثقافة، مرورا بسقيفة الفقيه، وأروقة السلف الصالح. صحيح: في زمن لم يعد فيه للشاعر أي معنى، قد يعد التشبث بالقصيدة ضربا مستهجنا من الحمق، وربما الدروشة، لكن وعلى الرغم من ذلك لا أجد أيما غضاضة في مواصلة الكتابة الشعرية، ولاسيما ضمن هذا الشكل الذي يندرج اصطلاحا في مسمّى قصيدة النثر.
فوضى وحرب وسرطان
- ما حدث ويحدث في البلاد الليبية من ظروف صعبة منذ بداية 2011م الى الان، هل يحبطك كشاعر ويخنقك حروفك وكلماتك ويمنعك من الكتابة او يعيقها لتكون كما تحبها أن تكون؟ ام انك تستمر هذا الإحباط وتزينه بالشعر؟
"لنعترف بأن الثورة التي ضحينا من أجلها بأرواح شبابنا قد خُطفت أو سُرقت" |
• أن تتضافر الفوضى والحرب والسرطان في صناعة هذا القدر المهول من التهدم والخراب، لا شك أنها مصيبة. ولا شك أيضا ستشعر وبمرارة بأنك الكائن الأكثر فاجعة وخسرانا وإحباطا، لاسيما عندما تتفسخ القيم التي كنا نعول عليها كمجتمع ليبي، أي حين كنّا نظن على نحو ما بأننا نتمتع بشيء من الطيبة والتكافل والتسامح والإحسان. لكأن اللعنة قد حلّت بهذا الوطن، لنمسي شتاتا لا أين لنا. علينا الآن أن نعترف بأنها قد خُطفت، أو سُرقت تلك الثورة التي ضحينا من أجلها بأرواح شبابنا، خطفت وسرقت منذ شبهة الترحيب بجولات الصهيوني: برنار هنري ليفي، وهو يتفقد صحبة القادة العسكريين والسياسيين جبهات القتال وغرف العمليات. منذ تسلل أكثر من اسم غامض وخفي إلى قائمة المجلس الانتقالي. منذ توغل أكثر من جماعة متطرفة، وحزب عميل، وتنظيم خائن. منذ تواطؤ أكثر من شيخ قبيلة، وزعيم مرتشي. منذ أن تغلغل أمراء الحرب في دهاليز السياسة وكواليس عصابات المافيا، منذ أن تفشت معاجم الكذب وأوبئة الزيف وفيروسات الدعارة السياسية.
منذ أن سقطت أقنعة بعض النخب من مثقفين ونشطاء ومناضلين مزيفين. وأيضا: منذ أن تدخلت أكثر من دولة خارجية في تصريف أمورنا، وتوجيه سياساتنا، قد تردّت أحوالنا، وفسدت ضمائرنا، وتفاقمت أزماتنا. هكذا ضاعت ليبيا يا سيدي. اقتُلعت مدن، وهُجرت أقاليم بقضها وقضيضها، وذهب شبابنا حطبا رخيصا في حروب وفتن ونزاعات تفنّن صانعوها في حبك دسائسها وتأجيج أحقادها. هكذا بين خرابين، سرطان بلادي، وسرطان جسد ي، حيث يتعذر الدواء، ويضيق المأوى، ولا تجد من يزورك أو يصغي إليك لحظة أن تحوّلت الأنباء إلى حرائق ومجازر وكوارث وجرائم وجنازات، ومدننا إلى حطام ونفايات وظلام دامس، وعيشنا صار ضربا من القهر اليومي، حيث لا شيء غير المهانة والذل. وفيما كان سماسرة الفوضى وتجار الحروب يستولون على ثرواتنا، اختزل ما تبقى من أحفاد المختار في طوابير تعيسة أمام المخابز والمصارف وموزعي الغاز ومحطات الوقود.
"أتمنى أن أرى حملة الكلاشنكوف، قد تخلوا عن بنادقهم ليتفرغوا إلى تنظيف شوارع مدنهم من نفايات الحرب ومكبّات الفوضى" |
لكم تمنيت أن أرى مسؤولا واحدا، يقف في طوابير الخبز، ولو من باب جبر الخواطر على الأقل. نواب لا يجتمعون إلا بشكل موسمي فيما يتقاضون رواتب ومزايا - وفي أشد فترات الأزمة - تقدر بعشرات الآلاف؟ فماذا تنتظر من شاعر عليل مثلي - لا حول ولا قوة له - أن يفعل سوى أن يلجأ إلى قصيدته، ليس لتغيير واقع، أو تحريض جماهير للخروج في مسيرات يمكن لأي مسلح مراهق - وبدم بارد - أن يحصدها برشاش الميم، طاء، وهذا ما حدث يا سيدي في بنغازي وطرابلس. حيث لا ضير في ارتكاب المزيد من الذبح والهدم والحرق والتخريب. هكذا جماهير فقدت ثقتها بقادتها ونخبها ومثقفيها وبنفسها أيضا، لا أظن بأنه مازال في وسعها الترحيب بقصيدة شعر طالما ثمة أكثر من وحش متربّص، قد ينقض في أي لحظة على ما تبقى من أحلام بائسة. لا شيء إذن. فقط أكتب، ربما لترميم عطبي الخاص، ربما لأنني قد تورطت في الكتابة، ولا أجيد أي عمل آخر.
تسامح وتضامن وحب
- الشعر القصة الرواية المسرح التشكيل وكل اجناس الفنون والثقافة والابداع، التي تعبر عن الحركة الثقافية في ليبيا كما البلاد الان ليست بخير، سؤالي هل يمكن لهذه الاجناس ان تنقذنا من مازق الفوضى والارباك؟ وهل يمكن للثقافة بالمجمل ان تكون حيوية ومؤثرة، وتنجح في تطبيب السياسة والاقتصاد والاجتماع وترسم لنا حاضراً رائعا وغدا اكثر روعة؟ وكيف يمكنها فعل ذلك من وجهة نظرك؟
• أي عاقل صقلته التجارب، سيقول لك: علينا أولا أن نكون مؤهلين لإدارة الأزمة. بالطبع لو توفّر لنا القليل من الحكمة، من الإيمان بالوطن، والثقة في من نوليه شؤوننا. لو نملك القليل من التسامح والتضامن، والحب، يمكننا حينها أن نفكّر على الأقل في إقحام الأدب هو الآخر، وبكرامة، في خوض معركة إنقاذ البلاد من محنتها. يقول نيتشه: من دون موسيقى تصير الحياة بلا معنى. لكن كيف يكون ذلك في مجتمع لا يجيد الإصغاء، وبالمثل لا يعوّل كثيرا أو قليلا على الأدب بكل مشتقاته.؟ كيف يمكن تربية الفن في بيئة دأبت على ازدراء الجمال، وتحقير المشتغلين في حقله؟ لهذا علينا الاعتراف أولا بالأدب كضرورة، أن نوليه حيزا مهما في مخططاتنا وتصوراتنا وسياساتنا وبرامج عملنا، أن نحترم الكِتاب ليكون حاضرا بيننا، ونعيد الاعتبار للفئات المنتجة للفن، أن تكون صناعات المخيلة جزءا فعالا في نسيجنا. لأن المشكل أولا وأخيرا انعكاس لخلل في ثقافتنا، وفي معاييرنا وأحكامنا ونمط سلوكنا. لهذا نحن نتفنن في صنع الطغاة، لا الشعراء. فعلى الأيادي التي رحبت ببرنار هنري ليفي، أن تكفر عن ذنبها الآن، لتبدأ على الأقل برد الاعتبار للشاعر المهاجر: عاشور الطويبي، الذي دُمّر بيته واحترقت مكتبته في أتون الحرب، من دون أن نسمع ولو نبرة احتجاج خجولة من مسؤول ليبي واحد، تشير ولو همسا، بأن ثمة جريمة ارتكبت في حق الشاعر. ناهيك عن غيره من شتات الأدباء والكتاب والمثقفين. لم يبق في ليبيا يا صديقي غير النزر القليل من الكتّاب المستضعفين الذين لا حول لهم، فقد هاجر جلّهم فارين بجلودهم، بعد أن تفشت وقائع الاغتيال والخطف والاعتقال ضد كل من تجرأ على التفوه بكلمة حقّ. المأساة أن بعض الذين هاجروا إلى الخارج قد رهنوا أنفسهم - تحت وطأة العيش المذل - لمؤسسات إعلامية وثقافية مشبوهة، وتهافتوا على منابر اللغو والثرثرة الإعلامية التي تؤجج المزيد من الفتن والفوضى. لكن وعلى الرغم من ذلك كله، فأنني أحيانا أقول لنفسي: علينا أن نتفاءل. كيف؟ لست أدري.
وسادة الراعي
- حول التطور التقني وشبكة الانترنت، شاعرنا مفتاح له حضوره الواضح بموقع الكتروني وصفحة تويتر برقم مهم من المتابعين والمتفاعلين، الى جانب صفحة محبي الشاعر مفتاح العماري... وسؤالي هل يخاف شاعرنا على قصائده وابداعه من ضجيج الشبكة العنكبوتية وعدم القدرة على ضبطها والتحكم فيها، أم انها بديلاً مناسب للقلم والورقة في التواصل بينك وبين جمهورك؟
"مدونتي (وسادة الراعي) ضمن مقتضيات افترضتها ظروف العزلة" |
• ثمة صفحات تحمل اسمي في الفايس بوك، لست أدري كيف ظهرت. ربما اقترحها محبون ومعجبون، وهذا شيء يدغدغ غروري، على الرغم من أنها لم تُحدث، وبدت لي في الآونة الأخيرة، لكأنها محض بيوت مهجورة. فقط لجأت مع بداية هذا العام 2016 لفتح حساب باسمي على التويتر، وقبلها بادرت أيضا بفتح مدونة متواضعة على البلوجر، تحت مسمّى "وسادة الراعي"، كمقتضيات افترضتها صروف العزلة. فلا منابر هنا يمكن الاستئناس بها، أو الرهان على صدقيتها. وبالمثل ينسحب الأمر على منابر إعلامية ليبية في الخارج، طالما هي الريبة نفسها، لا تنفك عن الإشارة إلى ممولين، ورعاة مشبوهين، من دول لا تسمّى، ورجال أعمال، ونكرات من سقط المتاع، ناهيك عن سماسرة حولوا الإعلام إلى دكاكين صرافة، وتكيّات، وخلوات نائمة، وربما إلى مواخير وحانات لا تنام. وعلى الرغم من أنني وحدي، وأن تسليتي الوحيدة، حين تتصدّق علينا الكهرباء ببضع سويعات شحيحة، تكمن في انشغالي كطفل يلعب بمخيلته، حيث ينصبّ اهتمامي في الغالب على تذكير قصيدتي بأنني لا زلت أبا حنونا، ومع ذلك لم تسلم مدونتي من (التهكير) والتحجير والتشفير، بين فترة وأخرى. لا أدعي بأنني في ميزان الأدب أو النشر الالكتروني: أساوي مثقال ذرة. فقط أريد أن أحتفظ لنفسي بشيء من الاستقلالية، كخصوصية أدافع عنها بقوة، وأن أتعفّن على الأقل بكرامة، داخل بيتي، قريبا من كتبي وعائلتي وكلماتي الأثيرة، لهو أكثر شرفا من الانضمام إلى جوقة المزيفين ومروجي الفتن. فقط، لا شيء آخر.
جوائز والقاب
- تم تكريمك بجوائز والقاب اكثر من مرة وفي أكثر من محفل، فما التكريم الذي تتمناه، وستعتز به أكثر لو حدث؟
• قبل ثلاثة شهور تخطيت الستين. ولا أظن بأن ثمة محفزات تجعلني أطمح، أو سأطمح إلى هكذا تكريم. فقط أتمنى في يوم ما، وأرجو أن يكون قريبا، أن أخرج إلى الشارع، وارى السابلة، وقد انتبهوا كمخلوقات آدمية بأنهم قادرين على الابتسام مثلهم مثل غيرهم من بني جلدتهم.. عوض هذا التجهم، والكراهة ومشاعر العداء. أن أرى حملة الكلاشنكوف، قد تخلوا عن بنادقهم ليتفرغوا إلى غسل قلوبهم وتشذيب حدائقهم وتنظيف شوارع مدنهم من نفايات الحرب ومكبّات الفوضى. وأن أطفالنا آمنون في وطنهم، لا خوف عليهم من الخطف، والرصاص الطائش. قد تعبنا.
سبق نشر الحوار في موقع ليبيا المستقبل بتاريخ 29-09-2016م
نرحب بتعليقاتكم