الحرب الليبية
بدأت الحرب الليبية بشكل فعلي فجر التاسع عشر من مارس 2011 بقصف رتل القذافي العسكري على مشارف بنغازي وانتهت بموته على مشارف سرت في العشرين من أكتوبر في نفس العام، وخلال تمانية اشهر ، برزوا أبطال سيذكرهم التاريخ ، ضحوا بأموالهم وانفسهم ودمائهم الطاهرة التي سالت لتروي أرض ليبيا الطيبة العطشى التوّاقة إلى العدل والحرية ولينتصر الحق على الباطل . وكما في كل الحروب أنتجت حربنا القصيرة نوع من البشر قست قلوبهم وماتت ضمائرهم صنعوا ترف حياتهم من خلال مآسي الآخرين وآلامهم، ودخل المال الحرام جيوبهم القذرة على حسابنا، ببارود باعوه ، أو سلع ضرورية ضاربوا عليها ، أو مرتزقة جلبوها داخل البلاد ،أوخائف قبضوا تمن تهريبه خارجها ، وأي كان سبب ثرائهم فقد توقف بمجرد أن وضعت الحرب أوزارها رغما عنهم ، ولكن السلب والنهب لم يتوقف .
لصوص الثورة
لم يتوقف السلب والنهب ، بل ظهرت فئة أثرياء الثورة وهي أشد طمعا وجشعا ،وأكثر دهاء ونفاقا وأنتهازية وخيانة للوطن من أثرياء الحرب الذين كنا لا نعرفهم جيدا لانهم يسرقوننا سرا، بينما يعرف كل الليبيين تقريبا أثرياء الثورة ولصوصها ، قد لانعرف كيف نحصيهم ونعدهم ولكننا نعرف ماضيهم ،ونعرف أسمائهم وصفاتهم ، وقنواتهم وشركاتهم ومكاتبهم وعقاراتهم واسهمهم وبنوكهم وكتائبهم وسراياهم، ،كما نعرف لللاسف أنهم لازالوا ينهبون وبشكل قانوني ومنظم مقدراتنا واموالنا اتي تحولت إلى أسهم مالية وارصدة مشفرة بالمليارات شكلوا بها أحزاب وجماعات وحركات لتحكمنا ، وتستمر بفرض سطوتها وسلطتها علينا . وتمنح صكوك الوطنية لمن تريد وتتهم من ليس علي هواها بالخيانة والعمالة للنظام السابق.
أثرياء الثورة ولصوصها، سعوا في استماتة منقطعة النظير لتأخير بناء الدولة المدنية الحقيقية ،دولة العدل والمساواة رغم أدعاءتهم المستمرة بأنهم ثوار متاجرين بشعارات سخيفة وزائفة ومزائدة بدم الشهداء مايمشيش هباء ، وهم اول من خان الثورة واضر بها وتنكر لمبادئها وشهدائها خلف أقنعتهم الزائفة ، ومما زاد الأمر سوءا أن شجع وطمع الأثرياء بفلوس الحرام تقاطعت مصالحهم مع بناء الدولة وتلاقت مصالحهم مع أجندات لعدو خارجي مصلحته أن تستمر الفوضى العارمة في البلاد وأن تبقى ليبيا في تأخر دائم فسعوا لتأجيج الفتنة بين أبناء الوطن الواحد.
المنافذ المخترقة ، وحرب المخدرات
وبأاموال الليبيين المنهوبة تحولت بلادنا إلى خزان كبير يصب فيه جميع وأخطر أنواع المخدرات ويهرب منه جميع أنواع الأسلحة . فقد سبق وان تناقلت وكالات الانباء العالمية أنه تم في طرابلس ضبط مايقارب من خمسين كيلو غرام من مادة الكوكايين وهي أكبر كمية يتم ضبطها على مستوى العالم ،كما نشرت صحيفة "صنداي تاميز" اللندنية الاسبوعية تقريرا مهما أكدت فيه أن بسبب الفوضى السائدة في ليبيا وأتساع حدودها وعدم قدرة مؤسساتها الأمنية من السيطرة على منافذها فأنه يتم تهريب أخطر أنواع الأسلحة من مدافع مضادة للطائرات وصواريخ أرض جو ومدافع هاون لتصل في يد أخطر الجماعات الارهابية المتطرفة ، المنتشرين في أكثر من أربعة عشر دولة أهمها سوريا ومصر ونيجيريا والنيجر ومالي وتشاد.
يمكنني هنا تقسيم لصوص الثورة ببساطة إلى فئتين وكلتاهما أشد خطرا ونفاقا من الاخري وهذفهم سرقة الثورة من الليبيين واستغلالها والتربح منها الأولى فئة الانتهازيين الذين صنعتهم الفضائيات فمنهم من ودع الى الابد مطاعم البيتزا التي كان يقضي نصف يومه واقفا فيها ليدخل استديوهات الإذاعة المكيفة ويحلس على كراسيها الدوارة لدقائق وبربطة عنق وشارة لعلم الاستقلال وكلام منمق ومزايدات رخيصة أصبح تاثرا ببلاش. ومن نافلة القول أن هناك من أدى دوره على أحسن وجه ، وشارك بالتوعية ،وكشف الظلم وتعرية الوجه القبيح للنظام السابق ،ثم عاد لسابق عمله ، ومنهم من أستمر في التضليل والتطبيل والتزمير فصاروا صيدا ثمينا لفضائيات تتهافت عليهم وتدفع لهم مبالغ مالية كبيرة مسروقة بطبيعة الحال ليتحدثوا عن الثورة والحريات كما يريدها اللصوص ،وهم أساسا عجينة لينة في يد الأثرياء منهم المنافقين الذين تعودوا عل تسخير اقلامهم والسنتهم لخدمة من يدفع أكثر ومنهم من كانوا أبواق تمجد النظام البائد وتحولوا بنفس الصوت النشاز يتغزلون في الثورة ويتمسحون بأحذية أشباه الثوار !! ويتسابقون في نشر حقائق مغلوطة لإاثارة الفوضى، وينشرون الفتنه والتحريض ، مستغلين اللعب علي اوتار العاطفة والتغرير ببعض المواطنين لقلة الوعي السياسي وحداثة التجربة الديقراطية بشكل عام . وبذلك أسهمت بعض مؤسسات ماكينة الاعلام الممول باموالنا المنهوبة في التحريض للهجوم على السفارات ومقار الدولة الرسمية التنفيذية والتشريعية فسقطت هيبة الدولة وتحقق لهم بعض مايريدون.
الثوار الحقيقيون وثوار العشر الأواخر
والفئة التانية من أثرياء الثورة في تقديري هي تلك التي تضم بعض من الثوار الحقيقين الذين عسكروا في الجبهات،ولم يتركوا سلاحهم بعد التحرير ،وكثير من مايسمى بثوار العشر الاواخر من رمضان ،الذين كانوا نزلاء للسجون أو من مناصري النظام السابق على أقل تقدير غنموا السلاح واستولوا على مؤسسات الدولة ومقارها المدنية وحولوها إلى ثكنات عسكرية بدأت بأنشاء بوابات وهمية تسطو على سيارات المواطنين ومنازلهم وأنتهت بالسطو على مصارف الدولة وخطف رئيسها وقتل مثفقيها . وطبيعي جدا أن يطور اثرياء الثورة من أنفسهم ليتحولوا من افراد إلى كيانات تنظيمه، أوجماعات دينية ، أو حزبية لتواصل سرقة الثورة بحرفنة وأسلوب منظم يطيل من عمر الفوضى فكل ما تفاقمت الاوضاع زادالاثرياء ثراء فاحش حتى بلغ ذروته وتمكن اللصوص من المتاجرة بنفطنا وتهريبه بطرق غير قانونية.
من وراء اللصوص ؟ ،ومن سيحاسبهم؟
ويبقى طرح بعض التساؤلات المهمة تحصيل حاصل : من وراء هؤلاء؟ وهل ستتم محاسبتهم ؟ وهل تخلصنا من اثرياء نظام سبتمبر البائد لنقع في مستنقع اثرياء ثورة فبراير ؟ أخشى أن لايكون لأوان قد فات لللاجابة على هذه الأسئلة، وأنه قد تم تفريغ الثورة الحقيقية من محتواها ،وتحولت فبراير في ذهن المواطن الليبي البسيط إلى كابوس أشد وطأة من فاتح القذافي الذي حن اليه رغم كل شيئ لانه وعلى مدى عقود طويلة كان هذا البسيط ياكل ويشرب ويسافر وينام.... نعم وينام بهدوء!!!
مقالة سبق نشرها في صحيفة ميادين
نرحب بتعليقاتكم