pinterest-site-verification=9c2615a3f2f18801311435c2913e7baa القتل بالكلام الفارغ.. لللاديب الراحل الدكتور علي فهمي خشيم
📁 آخر الأخبار

القتل بالكلام الفارغ.. لللاديب الراحل الدكتور علي فهمي خشيم

 القتل بالكلام الفارغ.. علي فهمي خشيم 

اقتله بالصمت

    في قاموس فكر الغرب وسياسته قاعدة مشهورة تتبع إذا أرادوا تجاهل أمر ما يرونه خطرا عليهم فلا يشعر به أحد ولا يحس به إنسان فيوأد في مهده ويقضي عليه قبل أن يعرف: (اقتله بالصمت)! هكذا قتلا هادئا لينا دون ضجة ولا صخب يلفت الأنظار، فتطوي جريمة القتل المتعمد دون أن يدرك أحد ما حدث.

ولقد طبقت هذه القاعدة الرهيبة بدقة كاملة بالنسبة للفكر العربي وتراثه وحاضره حينا من الدهر. قتلت كل فكرة عربية بالصمت ووئدت كل حركة ثقافية بالأسلوب ذاته، وأطفئت كل ومضة في وطننا الكبير بالتجاهل التام. 

الإنسان العربي والحضارات

    وكان الإنسان العربي نفسه نسيا منسيا في أركان الأرض الأربعة. كان العالم مشغولا على مدى السنين الطوال بكل ما يجري في المنطقة القطبية الشمالية والجنوبية، ويقرأ عن مجاهل افريقيا ويتحدث عن حضارات (الانكا) و (المايا) و (الأزتك) ويعرف كل شيء عن أساطير التوراة وحضارة (كريت) ومدنية جبال (الهملايا).. إلا العرب والإسلام بضعة مستشرقين يظهرون بين الفينة والفئة ليكتبوا عن خلافات الفرق الإسلامية، وتحدثوا عن مظاهر التخلف في عصور الانحطاط ويشيروا إلى مواطن الضعف، ويحرفوا التاريخ عن مواضعه، ويشوشوا الأفكار ويطعنوا كل ما هو خير وحق وجميل في تراثنا .

ثم ماذا؟

استمر الأمر طويلا. القاعدة مطبقة وكل شيء على ما يرام. فجأة تغير الموقف. تفجرت الأرض العربية بالثورة والثروة معا. براكين الثورة تقذف بها في كل مكان ، والإنسان العربي يبحث عن ذاته ويجدها ممثلة في تراثه يستلهمه لتحریر حاضره وتحقيق مستقبله. وهو يملك كل ما پیسر له الانتفاضة من تحت ركام القرون، ويعرف أنه  قادر على نيل ما يريد. انقلبت الموازين، واختلت المقاييس، وشعر الغرب بالخطر،القتل بالصمت لم يعد مجدياً،السلاح الفتاك صار مثلوما. 

والعرب قادمون والإسلام يستعيد نضارته وحيويته، وهو يتحدى بكل القوة التي أودعها الله فيه. الدنيا كلها. تلتفت إلى هذا الوطن الكبير وترى فيه المستقبل. 

ما العمل؟

فلتتبدل القاعدة. فليستعمل حد سلاح آخر. فليصبح الصمت كلاماً .. وهكذا كان ! كلام ..كلام..كلام..كلام.. عشرات المحطات الإذاعية ومئات من الصحف ومئات الكتب، والندوات، والمحاضرات، والمؤتمرات واللقاءات ، والاجتماعات . والاف البحوث والدراسات كلها تتحدث عن العرب والإسلام .

الضجيج يملأ الأسماع  ، والصخب يحيط بنا من كل جانب، والأصوات تعلو هنا وهناك. والغرب كله معنى هذه الأيام بأمر العرب، وحياة العرب وماضي العرب.. ومستقبل العرب. وقد يبدو هذا جميلاً  لكنه -للأسف - ليس جميلاً كله بإطلاق .نظرة واحدة إلى ما ينشر عنا و وسماع القليل مما يذاع يبين عن السياسة الجديدة 

القتل  بالكلام الفارغ! 

الروايات الخيالية تصدر بالعشرات كل عام تشوه صورة الإنسان العربي وتجعله مجرد بد وي لئيم يمتطي جملا ويشد إلى وسطه خنجرا يقف إلى جانب بئر للنفط. الدراسات تنتشر للتشكيك في قدراتنا والمؤتمرات تعقد لإغراقنا في دوامة أثر دوامة، والإذاعات تأتي من كل مكان التسلخ بأساليبها الجهنمية عن المواطن العربي ثقته بنفسه ووطنه وشعبه.

الكلام الفارغ هو السلاح الجديد ضدنا، کلام غیر مفید، کلام يشغلنا عن مسيرتنا، ويفرق بيننا و يبعث الريبة في صفوفنا ويعمق خلافاتنا ويصنفنا عربا وأعراب ومستعربين. كلام فارغ كثير جدأ يأتينا يحتاج إلى النظر. كلام فارغ قاتل .

هذه الأمة لا بد لها من اليقظة الكاملة.. لكى تنتصر .

من كتاب (مر السحاب)  لمؤلفه : الاديب الراحل الدكتور علي فهمي خشيم
صحيفة المنظار الليبية
صحيفة المنظار الليبية
تعليقات