pinterest-site-verification=9c2615a3f2f18801311435c2913e7baa قصة العودة المحزنة للكاتب الليبي سالم الهنداوي
📁 آخر الأخبار

قصة العودة المحزنة للكاتب الليبي سالم الهنداوي

قصة العودة المحزنة للكاتب الليبي سالم الهنداوي

قصة العودة المحزنة للكاتب الليبي سالم الهنداوي

العودة المحزنة 

لا أدري بالضبط كم مضى على تلك الحادثة . أنكر أنني دخلت المدينة ليلا ، وفي قلبي حنين مبهم لا أدري لمن .
كان الطقس باردا ، والمطر يشاقط خفيفا حزينا على المدينة التي هربت من الليل وركنت للذكريات .
كانت بعض المصابيح المضاءة في أعمدة الكهرباء الخشبية تهتز في صرير حاد ، كأنها استسقط حالا . وسيارة «لاندروفر» وحيدة ، تراني من بعيد في الظلام ، أجوب الشارع الطويل في خطی واهنة ، تارة على الرصيف ، وتارة على الأسفلت القديم 
لم تكن الساعة متأخرة عندما دخلت المدينة ، لكن كان الطقس لايوحي بأن أحدا كان قد خرج من بيته في ذلك المساء . حتى فضلات دكاكين اللحم تف منها الكلاب والقطط في سخط .
كل المدينة أغلقت أبوابها بأحكام ، وبعض لافتات النيون المجنونة تغازل بعضها من بعيد كأنها | أضيئت خصيصا للاشباح في ليلة كان ينتظرها الجميع !

وددت فعلاً 

    وددت فعلا لو ان احدا يدعوني إلى الطعام ، ماذا يحصل لو ان احد ابناء المدينة أطل برأسه وقدم لي كوبا من الشاي الدافيء ، ودثرني بمعطف قديم . سأشكره . كنت سأشكره وأتذكره يوما ما عندما تكون لدى نقود . من يدري ، قد يمر من أمام بیتی ذات ليلة شاتئة كهذه الليلة ، وأدعوه الى الطعام ، او الى كوب شاي دافيء ، ولكن هل سيحدث وتكون لدى نقود تكفي حاجتى للعيش مثل بقية الناس وفي مدينة قدمتنی ذات مرة في الحلم على أنني ابنها , ثم علمتني الخوف بسبب آناس لا اعرفهم إدعوا معرفتي في أول الطريق قرأنا معا القصص والروايات والأشعار ، لم تخلوا عنى ودخلوا الجامعة ، وبقيت وحدي أكتب عن الخوف والجوع . وهاهم مرة أخرى يتخلون عني ، يقفلون الابواب في وجهي ، وینامون علي أرصدتهم من النساء والنقود وتذاكر السفر.

كان إحساسي

كان إحساسي في البداية يقول ، أن أول قصة قصيرة أكتبها ، ستغير وجه العالم ، لكن لم يتغير شيء. حتى شكل الصحيفة التي كنت أكتب فيها لم يتغير ولا حتي حتى شکل المدينة، التي كنت أقطن فيها وكانت مصدرأوهامي .
أحببت فعلا أن أكون كاتبا ، ولكني لم أحب مطلقا ان اكون فقيرا!
عندما عملت مساعد بلاط في شركة للمقاولات و وتركت الدراسة في المرحلة الابتدائية و كنت اعتقد انني سأتحصل على ثمن الكتاب والرغیف والقهوة.
وعندما عملت سفرجيا في مقهی شعبي ، غمرني إحساس بأنني سأكون بين الناس ، أعيش همومهم وأكتب عنها ولكن لم أكتب شيئا ، صرت خادمهم ، وكانوا هم يلعبون الورق ويضحكون !
أحسست بضعفي من اقترابی من الناس ، فهجرتهم إلى الجوعين .. أهانوني کثيرا ، و تعمدوا تجويعي . كرهتهم . وعندما حاولت العودة إلى المدرسة لالتحق بالأصدقاء الذين سبقونی وانتقلوا إلى المدارس الكبيرة ، طردوني ، وشطبوا على ملفی وكتبوا عليه «مرفود» ، وجدت نفسي أمسح الأحذية في محطات المدينة ومقاهيها .. وعندما كنت اتمشى ذات مرة على الكورنيش ، احتقرت الأحذية واحتقرت اليد التي تمسحها في النهار ، وفي الليل تكتب عن المرافيء والدافيء والحب ، وتكتب عن الحدائق والاطفال والاحلام الشديدة ، وتكتب عن حلمي الصغير ببيت وزوجة طيبة تطهو لى الطعام و تدثرني بحنانها .
أصبحت على الرصيف بلا شيء ، الا من الجوع والخوف !

هل أجد عندكم..؟

هل أجد عندكم سريرا لاحلامي ؟! . هل أجد عندكم ماء للشرب ، أو للغسيل ؟! . هل أجد عندكم ثيابا قديمة كانت لابنكم الكبير الذي له في بيتكم غرفة ، وفي أحلامكم دار ، وفي قلبكم حديقة أمنيات ؟! .. هل أجد عندكم بنتا تقبلني زوجا بلا نقود ؟! .. تقبلني هكذا بأحلام مؤجلة ، وبقصص سأكتبها لها في ما بعد . بنتا لديها «موقف» تختارني أنا وترفض اصدقائي .. اصدقائي الذي سيختارون بنقودهم وشهاداتهم العالية من بنا الأعيان .. يقيمون لهن الاعراس في القص العائمة ، وانا خلف سياج حدائقها اتفرج ع العز !

مابالكم تنظرون الي هكذا ؟!

مابالكم تنظرون الي هكذا ؟!هل قلت كلاما غريبا معاذ الله ؟! ..قلت أريد أن أنام ، لا يهمني السندوتش الان ، ولا کوب الشاي ، ولا قرص الأسبرين أريد أن أنام فقط د اکرتی تعبني ، ومعدني أكثر وهذا الليل الذي أدكن المدينة بالفراغ، يدكن وحدتي ، وسياره اللاندروفر الوحيدة تتعقب أثري من شارع الى شارع. لم أكن أحسب أنني مشیت کصيرا السيارة أحيانا تتزود بالوقود وانا اتزود بالوجع في كل خطوة اخطوها.
علت الريح تعرضت لها بقلب حزين کانت باردة . غسلتني ، زفت فيها كل أنفاسی ویکیت! كل الأبواب مقفلة , لاأحد يجيب ، لا احد يسكن المدينة ، كل الشوارع مقفرة الا مني ، ومن بين الكلاب الضارة ، ومن اللاندروفر !
تذكرت في لحظة وأنا أتوسط الطريق والبرد أنني ذات مرة احببت ، كانت فتاة جميلة وتزوجت . وتذكرت أنني قد كتبت قصة لم أفهمها وتذكرت انني رأيت هذا المشهد من قبل .. لست ادري ان كان في الحلم أم في الحلم» . الريح تعصف بي ، وبمصباح عمود الكهرباء ، وبأسمال الرجل البشع الذي وقف خلفى ينهرنی ويدفعني بقوة للصعود الى .. اللاندروفر !!

هناك .. نمت

هناك .. نمت . وحلمت كثيرا بهم . حلمت بهم يمنحونني بيتا وزوجة . ويطبعون لي كل كتبي . أحبونی ، واخذوني معهم الى الاحتفال . في الاحتفال رأيت البنت التي احببتها زمان .. كانت جميلة ويافعة . ورأيت الاصدقاء الذين تركوني ودخلوا الجامعة . ورأيت صاحب الشركة الذي دفع الي نصف أجرى وطردنی . ورأيت مدير المدرسة ، الذي مزق ملفي ورماه في وجهي . ورأيت وجهی يعجز عن الكلام ، ويد تلطمنی : تكلم ؟! |

كنت هناك 

كنت هناك .. ذات مرة .. في المدينة .. وحدي .. وانا هنا ..هذه المرة.. في المدينة .. وحدي
صحيفة المنظار الليبية
صحيفة المنظار الليبية
تعليقات